الحاجب المنصور .. حكاية هزت عرش الصليبيين

الحاجب المنصور .. حكاية هزت عرش الصليبيين

الحاجب المنصور

الحاجب المنصور الذي ارعب قلوب الصليبيين لدرجة لا يتخيلها أحد ، على الرغم من بساطته إلا انه كان محنكاً ذو خلفية عسكرية قوية جعلته يتقلد المناصب تباعاً حتى أصبح حاكم الأندلس التابعة للخلافة الأموية، الحاجب المنصور لم يكن ذو خلفية عسكرية قوية فقط ولكنه تعلم الكثير من الأمور وأصبح فقيه فيها، لاسيما وانه تعلم الحديث والأدب منذ نشأته، الى ان أكمل تعليمه بقرطبة.

الحاجب المنصور حفيد فاتح الاندلس

اخذ الحاجب المنصور الكثير من صفات جده عبد الملك المعافري الذي كان يرافق طارق بن زياد خلال فتح الاندلس ، وأستقر في جنوبها بمنطقة تعرف بالجزيرة الخضراء، اما والد الحاجب المنصور فكان عبد الله بن عامر، وهو رجل من الذاهدين الذين كرثوا حياتهم من اجل الدين، حتى انه مات اثناء عودته من فريضة الحج، الحاجب المنصور او محمد بن ابي عامر كان منفتح الطموح ولدية إصرار في الوصول الى كرسي الحكم من اجل ان ينصر الإسلام والمسلمين في شتى بقاع الارض.

الحاجب المنصور والتدرج في المناصب

الحديث والأداب التي تعلمها ساعدت الحاجب المنصور بشكل كبير على ان يكون كاتباً للقاضي محمد بن إسحاق، الذي تنبه بشكل كبير لنبوغة وتفوق الحاجب المنصور عن غيرة من ابناء جيلة، لا سيما وان الحاجب المنصور كان قد ظهر عليه العلم بشكل كبير منذ نعومة اظافرة، مما جعل القاضي بن إسحاق يوصي الحاجب جعفر بن عثمان المصحفي على  الحاجب المنصور ، واشاد به كثيراً امامه، وهو ما جعل الحاجب جعفر يرشح الحاجب المنصور ليكون وكيلاً لنجل الحكم المستنصر، عبد الرحمن المولود حديثاً، وبالفعل وافق الحكم المستنصر على ان يكون الحاجب المنصور راعي لنجلة عبدالرحمن سنة 356هجرياً، لتكون بدايته نحو تقلد المناصب، واثناء الفترة التي عاشها الحاجب المنصور في قصر الحكم المستنصر لاحظ الأخير الأخلاق العالية التي يتمتع بها الشاب الحاجب المنصور، ناهيك عن العلم الوفير الذي يميزه عن غيرة ، وهو ما قربه للحكم بشكل كبير.

واثناء فترة تعايش الحاجب المنصور في قصر حكم المستنصر مات عبد الرحمن الطفل الصغير ، ولكن زوجة الحكم المستنصر انجبت طفلاً أخر يدعى هشام، فتولى الحاجب المنصور وكالته ايضاً لثقتهم فيه سنة 359 هجرياً، وفي ظل ثقة الحكم المستنصر التي تزيد يوم عن يوم في الحاجب المنصور بدأ يتقلد عدد من المناصب منها اميناً لدار السكة، وكان عمله عبارة عن مراجعة الخزانة العامة وخطط المواريث، الى ان اصبح قاضياً لاشبيلية ولبلة، واستمر فترة في هذا المنصب الى ان عين مديراً للشرطة الوسطى، وتدرج مره أخرى ليتولى الحاجب المنصور الأمانات بالعدوة، واظهر خلال تلك الوظيفة مهارة كبيرة مما جعل الأهالي يثقون فيه بشكل كبير، الى ان عين قاضي القضاة لبلاد الشمال الأفريقي، بعدها مرض الحكم المستتصر مرض شديد، واثناء مرضه وقبل ان يفارق الحياة عين الحاجب المستنصر ناظراً على الحشم.

محمد بن ابي عامر

وفاة الحكم المستنصر ومحاولة الإنقلاب على الحكم 

بعد وفاة الحكم المستنصر بدأت الخلافات داخل قصر الحكم ، بسبب الإنقسامات حول من يتولى الحكم ، لاسيما وان صقالبة أرادو ان يحكم خلفاً للمستنصر اخية المغيرة بن عبد الرحمن الناصر لدين الله بدلاً من ابن اخية الصبي هشام بن المستنصر، وهو ما جعل المغيره يرسل الى الحاجب جعفر بن عثمان ليخبرة بالخطة التي رسموها من اجل تنفيذها وابعاد هشام عن الحكم، ولكن الحاجب جعفر تظاهر بأنه يوافق على تلك الخطة، وذهب ليخطط من اجل إفشالها، حتى لا يذيد نفوذ الصقالبة داخل اركان القصر، وبعد تفكير قرر المصحفي ان يخبر بعض رجال الدولة المقربين منه وزعماء البربر من بني برزال، من اجل التحرك  وقتل المغيرة بن عبد الرحمن لإفشال المخطط، فيما تولى الحاجب المنصور القيادة من اجل قتل المغير وبالفعل نجح في إفشال المخطط وتولى الصبي هشام بن الحكم المستنصر الحكم خلفاً لأبيه.


الممالك الصليبية تغزو الشمال الإسلامي

بعد شهور من تولى هشام المؤيد بالله الخلافة ، شن عدد من الصليبيين هجوم عنيف على الأراضي الإسلامية في الشمال، ضاربين الغتفاقيات التي بينهم عرض الحائط مستغلين موت الحكم المستنصر، فقرر الحاجب المنصور "محمد بن ابي عامر"، من التصدي لتلك القوات خاصة وان الحاكم هشام لم يكن على دراية بما يستوجب ان يفعل في تلك الظروف لحداثته في الحكم، كما ان الحاجب المصحفي كان مرتعشاً متردداً ولا يستطيع قيادة الجيش في حرب ، وعلى الرغم من وجود الجيش لكن لم يكن هناك من يقوده،  فإقترح الحاجب المنصور على المصحفي الذي كان يعتبر الرجل الثاني في الدولة ان يساعده في التحضير من اجل مجابهاتهم، لاسيما وان هشام قد طلب من قيادات الدولة ان يسيرو خلفة لمجابهت ذلك الهجوم الصليبي ولكنهم رفضوا مستهترين به، فإستنهذ الحاجب المنصور الفرصة من اجل ان يضم إليه قادة الجيش، مما جعل المصحفي يدعمه بـ100 ألف دينار من اجل إكمال تلك المهمة.


الحاجب المنصور يتصدى للصليبيين

بعد الدعم  المادي الذي تلقاه الحاجب المنصور من المصحفي، خرج سنة 366 هجرياً على رأس الجيش من أجل مواجهة الصليبين، فهاجم أراضي جليقية، وإستطاع ان يحاصر حصن الحامة، وحقق إنتصار كبير وعاد بالكثير من الغنائم والسبي، وذلك بعد 53 يوماً من بدأ الحصار، وهو ما جعله في مكانه مرموقه وكبيرة بالدولة، خاصة أمام الشعب الذي علم بإنتصاره، ناهيك عن قدراته الإدارية التي تركت أثرها عند الشعب اثناء تقلده في المناصب ونجاحه في كل منصب يتم إسناده له.


الحاجب المنصور والقضاء على التمرد ضد الأمويين

قاد الحسن بن كنون في عام 357 هجرياً تمرداً كبيراً ضد الأمويين في المغرب، وإستطاع ان يقنع الكثير من الشعب بالإنضمام له في ذلك التمرد، ومع محاولات الدولة الأموية للسيطرة على تمرد الحسن الذي كان يكبر يوماً عن يوم فلم يستطيعوا، الى ان تدخل الحاجب المنصور وأرسل جيشه الذي أجبر الحسن بن كنعون على الإستسلام  بدون شروط ، واثناء عودة الجيش ومعهم الحسن بن كنعون أمر الحاجب المنصور بقتله في الطريق، لينتهي تمرده بعد ان علم أنصارة قوة جيش المنصور.

 ولكن لم يتوقف الأمر عند هذا، حيث قاد زيري بن عطية المغراوي تمرد أخر ضد الأمويين بالمغرب، وذلك في عام 387هجرياً، فأرسل الحاجب المنصور جيشه بقيادة واضح العامري، والذي لم يوفق في إنهاء التمرد بعد ان دارت معارك كبيره بينهم انتهت بهزيمة جيش الأندلس، فأرسل الحاجب المنصور جيش اخر بقيادة نجلة عبد الملك ، وادار المعركة المنصور من المنطقة الخضراء، وإستطاع عبد الملك ان ينتصر في تلك المعركة التي كادت ان تنتهي لصالح المتمردين لولا الخيانة التي تعرض لها زيري بن عطية، الذي طعن على يد ابن عمه اثناء المعركة بوصاية من الحاجب المنصوري، الغريب في الأمر ان زيري بعدما نهض من إصابته ندم على ما فعله وانضم الى الدولة الأموية وسامحه الحاجب المنصوري.

فتح الاندلس

الحاجب المنصور يذل الصليبيين

إستطاع الحاجب المنصور من تحقيق الكثير من الإنتصارات على الصليبيين، لاسيما وانه كان يقود حملاته في الصيف والشتاء دون توقف، مما جعله يسترد عدد من المدن الأندلسية التي فقدها المسلمين في بداية عهد الدولة الأموية، ومن تلك المدن، مدينة لك، وشلمنقة، وشقوبية، وأبلة، وسمورة.

نجح الحاجب المنصور في الكثير من الحروب ضد المسيحيين ومن تلك  الحروب حصن حامة في عام 366 هجرياً ، وشلمنقة في عام 367ه، والتي أعطته مكانه كبيره عند الشعب ورجال الدولة، ولعل من اكبر إنتصاراته هي معركة حصن "ورطة"، عام 371، والتي تحالف ضده كلاً من راميرو الثالث ملك ليون، وغارسيا فرنانديث وسانشو الثانيملك نافار، وإستطاع العبد لله الحاجب المنصور القضاء عليهم وهزيمتهم شر الهزيمة.

تابعها فتحه لحصن "منكش"، وهو ما هز الدول الاوربية وتم إقالة راميرو الثالث على يد شعبه بعد ان مني بخسائر فادحه امام الحاجب المنصور، وجاء في خلافة راميرو ابن عمه برمودو الثاني الذي أبرم تحالف مع المنصور ووافق ان يدفع الجزية للدولة الإسلامية.

الحاجب المنصور تعددت إنتصاراته فقد غزا معظم الدول الأوربية ومنها برشلونة في عام 373 هجرياً ، وإستطاع ان يهزم بورل الثاني ملكها، الذي هرب بعد ان شاهد جيش الحاجب المنصوري في البر والبحر، لم يتوقف عند هذا ففتح الحاجب المنصور مدينة ألبة وليون وسمورة، ثم قندبخشة، وقلمرية، وبنبلونة، والكثير من المناطق الأوربية، لدرجة انه لم يهزم في معركة قط ولم تنكسر له راية، فكل الحروب والفتوحات التي دخلها انتصر فيها.

وفاة الحاجب المنصور

وفاة الحاجب المنصور

اصيب الحاجب المنصور خلال أحد غزواته على مدينة برغش، في عام 392 هجرياً، توفى على أثرها، ودفن في مدينة سالم حيثما توفى، لاسيما وانه كان قد اوصى بدفنة في المنطقة التي يتوفى فيها، وقد نفذت الوصية، ومازال ضريحه موجود ومعروف بأسم الحاجب المنصور، وفاته أسعدت الصليبيين بشكل كبير، لاسيما وانه كان مثل الشوكة في حلقهم ولايستطيعوا مجابهته عسكرياً.